اصطفاف الإسرائيليين في مظاهرات عملاقة متناحرة.. هل يصّب البنزين على النار أم يدفعهم لتسوية؟

اصطفاف الإسرائيليين في مظاهرات عملاقة متناحرة.. هل يصّب البنزين على النار أم يدفعهم لتسوية؟

  • اصطفاف الإسرائيليين في مظاهرات عملاقة متناحرة.. هل يصّب البنزين على النار أم يدفعهم لتسوية؟

فلسطيني قبل 1 سنة

اصطفاف الإسرائيليين في مظاهرات عملاقة متناحرة.. هل يصّب البنزين على النار أم يدفعهم لتسوية؟

وديع عواودة

الناصرة- “القدس العربي”: تفتتح، اليوم الأحد، الدورة الصيفية للكنيست الإسرائيلي بالتزامن مع تجدّد المداولات بين المعسكرين المتناحرين حول “خطة الإصلاحات القضائية” وسط استمرار الاحتجاجات والانقسامات، وتفاقم التوتّرات بينهما، فهل تؤدي هذه لتأجيج الأزمة الداخلية أم ربما تقصير المسافة نحو بلوغ تسوية بشأنها؟

بعد مظاهرة اليمين الكبرى في القدس المحتلة، ليلة الخميس الفائت، تأييداً لـ “الإصلاحات القضائية”، تظاهرَ مئات الآلاف من الإسرائيليين، الليلة الماضية، في تل أبيب، وفي جميع أنحاء البلاد، ضدها، للأسبوع السابع عشر على التوالي، وسط تنظيم وتصميم لافتين. وخرجت المظاهرة المركزية في شارع كابلان في تل أبيب، في ما وصفه البعض بأنه رد على مظاهرة اليمين في القدس المحتلة. وأعلن المنظمون عن “يوم المساواة” الوطنية، يوم الخميس المقبل، وهو يوم “تشويشات واضطرابات”. ودعوا لمشاركة مئات الآلاف احتجاجاً على نيّة الائتلاف الحاكم تشريع قانون يعفي اليهود الأورثوذوكس المعروفين بـ “الحريديم” من الخدمة العسكرية.

الخدمة العسكرية والأعباء غير المتساوية

 وليلة أمس، أشعل المتظاهرون نار الاحتجاج في بلدات اليمين أيضاً، التي يسكنها عادة اليهود الشرقيون. وقالت صحيفة “هآرتس” إن الاحتجاج والخروج للشارع بات جزءاً من الروتين لحياة الإسرائيليين مثله كالخروج للتسّوق. ونبّهت الصحيفة من خطوة حكومية قادمة قد تنفجر: إقرار قانون يعتبر تعيين المستشارين القضائيين وظائف ائتمان وثقة من قبل الوزراء، ما يعني تعيين مستشارين قضائيين حسب رغبات الوزير، فيصبحوا أسماء مجرورة بدلاً من القيام بوظيفة التأكد من قانونية خطوات الوزير وكبح جماحهم.

في المقابل تفيد تسريبات صحافية بأن مندوبي الائتلاف الحاكم في المفاوضات التي ستتجدد برعاية رئيس إسرائيل، بعد غد، مستعدون للتخلي عن مطلب تعيين مستشارين قانونيين في الوزارات الحكومية كمناصب ثقة سياسية، كجزء من المفاوضات وإثبات حسن النوايا والمساهمة في بلوغ تسوية، وذلك رغم أن الموضوع هو جزء من جوهر الإصلاحات التشريعية التي ورد ذكرها صراحة في الاتفاقيات الائتلافية لحزب “الليكود” مع بقية أحزاب الائتلاف الحاكم.

عرض عضلات

 في محاولة لـ “عرض عضلاتها” كانت أحزاب الائتلاف الحاكم قد دعت لمظاهرة مليونية، ليلة الخميس، مقابل الكنيست، شارك فيها نحو 200 ألف من الإسرائيليين المناصرين لـ “الإصلاحات القضائية”، التي تعتبرها المعارضة “انقلاباً على الديموقراطية”. وربما يأتي تنظيم معسكر اليمين الصهيوني للمظاهرات واحداً من دروس الصراع الدائر، والذي كانت فيه الاحتجاجات للمعسكر المعارض للحكومة ومشاريعها ما نسج صورة في وعي العامة أن أغلبية الإسرائيليين ضدها، خاصة أن استطلاعات الرأي تظهر تحطّم قوة “الليكود” وقوة الائتلاف الحاكم وتراجع شعبية نتنياهو شخصياً، لدرجة أن رئيس “الحزب الدولاني” بيني غانتس المعارض قد بات المرشح الأفضل لرئاسة الحكومة بعيون الإسرائيليين، وفق استطلاعات رأي متتالية كثيرة، منذ شهر على الأقل.

وزراء ويتظاهرون

 وبشكل مستغرب، شارك وزراء في حكومة الاحتلال، وهم صنّاع القرار، بتنظيم المظاهرة والمشاركة في مهرجانها الخطابي شنّوا فيه هجوماً كاسحاً على محكمة العدل العليا الإسرائيلية. وبرز وزير القضاء ياريف ليفين (الليكود) الأكثر تشدّداً في موضوع الإصلاحات، في الهجمات على مؤسسات رسمية، فقال إن المحكمة العليا ينبغي أن تتغير بمحكمة جديدة لا تدافع عن المغتصبين وعن الإرهابيين، مشدّداً على الرغبة بالتقدم نحو التغيير والإصلاحات القضائية. وتبعَه وزراء آخرون أطلقوا هم أيضاً سهاماً مسمومة نحو المحكمة العليا.

وبرزت الهوة الواسعة بين المعسكرين الإسرائيليين المتناحرين في حدة التصريحات والتراشق الحزبي والشخصي، وفي نشر صور قضاة المحكمة العليا والمستشارة القضائية للحكومة على الشوارع المحيطة في الكنيست، ودوس آلاف المتظاهرين عليها.

 ودفع هذا المشهد غير المسبوق نائب رئيس المحكمة العليا سابقاً، المستشار القضائي الأسبق للحكومات الإسرائيلية دكتور الياكيم روبينشطاين للتعبير عن صدمته من الصورة الفظيعة المروّعة التي تبدو “إيرانية”، في إشارة لصور العلم الإسرائيلي يداس في شوارع طهران في مناسبات مختلفة.

وفي تصريحات إعلامية، قال قضاة إسرائيليون سابقون في المحكمة العليا إن خطاب ليفين يحمل مواقف مشوهة وكاذبة. فيما قالت قيادات في الليكود أيضاً إن ليفين يثير أجواءً تحريضية من أجل تعبيد طريقه لقيادة الحزب. وحمّلوا نتنياهو، كرئيس وزراء، مسؤولية استمرار هذا النزيف والتحريض.

وبطبيعة الحال وجهّت المعارضة انتقادات حادة لليمين الصهيوني وللوزراء المشاركين في الحملة ضد الجهاز القضائي وشيطنته، كما قال رئيس المعارضة يائير لبيد، الذي وصف ليفين بالوزير المتهور، وإيتمار بن غفير بوزير التكتوك.

خطاب بلطجة وكراهية

وكرسّت صحيفة “هآرتس” العبرية افتتاحيتها، اليوم الأحد، لمظاهرة اليمين والهجمات الجديدة التي شنّها بعض الوزراء في حكومة نتنياهو السادسة عل المحكمة العليا، فقالت إن وزير القضاء ياريف ليفين وقف دون خجل أو وازع من المسؤولية وهاجم محكمة العدل العليا والجهاز القضائي المسؤول عنه، وقال في خطابه أمام مظاهرة الداعمين للتشريعات إن “المحكمة العليا تدافع عن الإرهابيين ولا تدافع عن حياة الجنود الاسرائيلين”. على خلفية مظاهرة اليمين وهجمات الوزراء الإسرائيليين على الجهاز القضائي يؤكّد المحلل السياسي في الصحيفة يوسي فرطر أن “وزير الانقلاب” ياريف لفين يتصرف بشكل أزعر وبلطجي. وضمن تصويره حدة الصراع الداخلي المتفاقم يضيف فرطر: “إن مجرد بقاء القضاة على قيد الحياة وبقاء المحكمة العليا على حالها بعد خطاب الكراهية الذي قدمّه وزير القضاء، الليلة خميس، هو عجيبة بالفعل”.

 ويواصل معلقّون إسرائيليون كثر التعقيب على خطاب “الكراهية والتحريض”، فقال المحلل السياسي بن درور يميني في صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن تصريحات ليفين تضيف الوقود لحركة الاحتجاج وتخدمها بسبب قسوتها واستفزازها لأوساط إسرائيلية واسعة حتى في اليمين. وعلى غرار محللين آخرين، يرى بن درور يميني أن  لافين ووزراء آخرين نظموا هذه المظاهرة، ليلة الخميس، لتمرير عدة رسائل منها أن هناك جمهوراً واسعاً يؤيد الإصلاحات القضائية، ومنها أيضاً رسالة لنتنياهو في تهديد مبطّن له، ومحاولة قطع الطريق عليه كي لا يتراجع عن الإصلاحات القضائية، في ظل وجود تقديرات وتسريبات ( وتصريحات أيضاً لنتنياهو نفسه) بأن نتنياهو يرغب بالتراجع عن “خطة الإصلاحات” نظراً لتبعاتها الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية المضرة لإسرائيل ولحزبه وللائتلاف وله شخصياً، وأنه يبحث عن سلم ينزل فيه عن الشجرة العالية التي تسلقها، ولكن بشكل يحفظ له ماء وجهه. ويقول بن درور يميني: لم يعد ليفين حليفاً لنتنياهو، وإن هناك انقساماً في اليمين بين من يؤيدون استمرار التشريع ومن يؤيدون وقفها، وإن الصمغ الذي يمسك الجميع معاً هو التخوف من جولة انتخابات قريبة.

غلطة إستراتيجية

وهذا ما أكده وزير الاقتصاد دافيد بيطان، في حديث صريح للقناة العبرية 12، ليلة أمس، حيث قال إن “خطة الإصلاحات القضائية” غلطة إستراتيجية تلحق ضرراً فادحاً بإسرائيل وبحزبه “الليكود”. واعترف بيطان أن خطة الإصلاحات الأصلية كانت أكثر اعتدالاً وأقل وتيرة وسرعة في التشريعات، ووجه انتقادات لزميله الوزير ليفين بأنه يبتزّ نتنياهو ويمضي في خطوات وتصريحات شعبوية بدوافع سياسية شخصية كي يكون الوريث السياسي لنتنياهو. واستهجن بيطان قيام نتنياهو بمفاوضة ليفين، ومحاولة إقناعه بالتراجع عن خطة الإصلاحات القضائية.

 وتابع في انتقاداته: “هل يعقل أن يقوم رئيس وزراء بمفاوضة وزير بدلاً من أن يقود ويصنع القرارات ويلزم الوزراء بالسير خلفه في هذه القضية الحساسة؟ على نتنياهو أن يتخذ قراراً بوقف الإصلاحات والتفرغ لتطبيق ما وعدنا به الناخبين من خفض غلاء المعيشة، معالجة ملف إيران، استكمال التطبيع مع دول الخليج، واستعادة الحوكمة ومكافة الجريمة المستشرية، وكل هذه بقيت وعودا بالهواء حتى الآن. بحال لم يعجب ذلك ليفين فعلى نتنياهو أن يشير له إلى الباب كي يغادر، فهو يدخل جملاً”.

تتساءل أوساط إسرائيلية سياسية وإعلامية كثيرة عن مفعول التصعيد في الخطاب وفي التراشق وفي خروج المعسكرين بمظاهرات ضخمة إن كانت تدفع قادة الطرفين للاستنتاج بأنه لا بد من تقديم تنازلات كي يتم إحراز تسوية، وألا تكون الأضرار فادحة للجميع ولإسرائيل، نظراً للتبعات الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية المضرة للانقسام؟ أم أن هذا التصعيد سيسكب الزيت على النار، ويوسّع الهوة، ويبعد فكرة التسوية عن التحقيق على أرض الواقع؟

فرج خارجي؟

نظراً للخلافات العميقة في صفوف الإسرائيليين، التي تتجاوز السجال الساخن حول فصل السلطات الثلاث واستقلال الجهاز القضائي ومكانة المحكمة العليا، ليس سهلاً إحراز تسوية حقيقية تصمد مدة طويلة وتمكنهم من النجاة من التشظي الداخلي الأخطر من قنبلة إيران على إسرائيل، كما قال رئيسها السابق رؤوفين ريفلين في “خطاب الأسباط” ضمن مؤتمر هرتزليا للمناعة القومية عام 2015. صحيح أن السجال المعلن يدور حول استقلالية جهاز القضاء في الأساس لكن في العمق هناك خلافات واختلافات أكبر وأخطر ترتبط بانقسام الإسرائيليين بين يهود شرقيين وغربيين، رغم كل المحاولات لصهرهم في بوتقة واحدة منذ قيام إسرائيل غداة نكبة 1948. منذ قامت سيطرت نخب اليهود الغربيين (الأشكنازيين) على مؤسسات إسرائيل وبقيت محتفظة بمفاتيحها، وتمارس حتى اليوم قسطاً كبيراً من إدارة الدولة العبرية حتى بعد خسارة معسكر الوسط واليسار الصهيوني الحكم منذ 1977، وهذا يفاقم حالة المرارة لدى الشرقيين وأوساط اليمين الصهيوني بأنهم ربحوا الانتخابات، وما زالوا يخسرون السلطة. يشار إلى أن اليهود الشرقيين جاؤوا للبلاد كمهاجرين بعدما قامت إسرائيل التي بناها الغربيون بالأساس، الذين يعتبرون أنها تسرق من بين أيديهم ويتم تغيير حمضها النووي السياسي ويتم تحويلها من ديموقراطية لدكتاتورية من خلال “الديموقراطية الإجرائية”، أي غلبة الأغلبية ودوسها على حقوق البقية.

يضاف للاختلافات والخلافات بين غربيين وشرقيين، وبين نخب جديدة وقديمة، الاختلاف المتزايد بين المدنيين والعلمانيين، علاوة على الصراع بين من يريد حسم الصراع مع الفلسطينيين بالحديد والنار والقوة المفرطة وبين من يريد تسوية معهم ويخشى من واقع الدولة الواحدة ومن تديين الصراع وبلقنته وتحوله لدموي جداً يختلط فيه الحابل الإسرائيلي بالنابل الفلسطيني، في واقع ثنائي القومية، ينذر ببداية تفكّك الدولة الصهيونية. ولذا فإن التسوية بين المعسكرين المتصارعين تبدو في هذه المرحلة صعبة المنال، خاصة عندما تؤخذ بالحسبان هيمنة الحسابات الحزبية والشخصية على حساب الاعتبارات العليا الجامعة علاوة على تراجع التهديدات الخارجية وانهيار “الجبهة الشرقية” وضعف الدول العربية المجاورة منذ الربيع العربي، وازدياد وتيرة التطبيع العربي. ربما يأتي الفرج من الخارج، كحرب، أو كارثة طبيعة كبرى تساعد الإسرائيليين في استعادة وحدتهم الداخلية.

التعليقات على خبر: اصطفاف الإسرائيليين في مظاهرات عملاقة متناحرة.. هل يصّب البنزين على النار أم يدفعهم لتسوية؟

حمل التطبيق الأن